====== ظروف البحث ====== باسم الله الرحمان الرحيم والحمدلله رب العالمين. الصلات والسلام على محمد أشرف المرسلينة, أما بعد. أنا اعلنت إسلامي في سبتمبر عام ٢٠٠٧ وكنت في مدينة تعز اليمنية التي كنت ادرس مجتمعها منذ عام ٢٠٠٣. كانت إقامتي الرابعة في حارة حوض الأشرف و كنت أبدأ السنة الثالثة من دكتوراتي في الأنثروبولوجيا تحت إشراف المورخة الأثروبولوجية جوسلين دخلية. وبرغم عذه الوقفة حصلت عام ٢٠٠٩ على تشجيع من المركز القومي للبحث العلمي في فرنسا و جاهزة تقدير ١٥٠٠٠يورو. ذلك لأن بحثي يحترم مبادئ العلمانية الفرنسية (لايسيتي) وهي مبدأ محايدة الدولة اتجاه الديانات وبالتالي محايدة العلوم الإجتماعية. أنثروبولوجيا هي فرع ميداني من الإنسانيات الذي يدرس طريق حياة الإنسان أينما كان. وهي علم تجريبي تعتمد بشكل أساسي على تحليل التفاعل بين الباحث والمجتمع. فالباحث ممكن يكون رجل أو مرأة وممكن يكون شاب او كبير السن و أبيض أو أسود ومسيحي أو مسلم أو بلا دين فكل ما يهم أن الباحث يعترف بصفاته الشخصية ويتحمل تأثيرها المحتمل على تحليله وموضوعيته. أنا دخلت الإسلام في مرحلة متقدمة من بحثي وكنت قد جمعت كل المواد والملاحظات اللازمة لتحليلي. ومن جهة أخرى تم إجراء بحثي في ​​ظروف متضاربة ولدي شكوك منهجية تقلقني باستمرار. فدخولي الإسلام وقت الإنسحاب كانت سعي للوصول إلى التصالح والرضاء عبر مرحلة التحليل لعل أرجع إلى تعز بعد إكماله ونفتح صفحة جديدة. للأسف لم يكن ممكن. لقد كافحت إلى نهاية عام ٢٠١٣ للدفاع عن تحليلاتي في البيئة الأكاديمية الفرنسية ثم اضطررت إلى ترك الدكتوراة بأكملها وسقط البلاد في الحرب بعد ذلك بقليل. تعز مدينة مقسمة منذ ٢٠١٥ وحارة حوض الأشرف يتوافق مع النقطة الأكثر استقرارًا في خط المعركة وطبعا من وجهة نظري هو مستحيل ان يكون صدفة. ليس صدفة أنني أخترت هذه المدينة بحثا عن علاقات الصداقة الفكرية المتساوية وليس صدفة أنني استقررت في حارة حوض الأشرف التي تتركز فيها كل تناقضات هذه المدينة. كان عمري عشرين سنة اول ما زرت اليمن و ما زلت في ذلك الوقت ادرس الفيزياء. وكان عمري ثلاثة وثلاثين لما تركت مؤسسات العلوم الاجتماعية. ومن وجهة نظري يرتبط تاريخ اليمن الحديث ارتباطًا وثيقًا بقصة فشلي. أنا أعرف أسباب الحرب كما يفسرونها المختصون – وهم طبعا لا يذكرون تعز أبدا فهي مدينة أعمق تناقضاتهم. انتقدتهم كثيرا في السنوات الأولى للثورة لكن الان بعد مرور عشر سنين أعتقد أن المشكلة أوسع. هناك مشكلة جذري ليس في الإسلام بالذات بل في تصرف المسلمين مع المؤسسات الحديثة وبالخصوص العلوم الإجتماعية. لقد عذبت عقلي كمسلم جديد على مسألة شرعية إصراري في دكتوراتي والعلوم الإجتماعية هل هي حلال او حرام. أفلم يقول الله تَعَالَى: > **﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾** [الحجرات:12]. أولم يقول نبينا ﷺ: > **(مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بيْنَ رِجْلَيْهِ أضْمنْ لهُ الجَنَّة)** متفقٌ عليهِ. قضيت عشر سنوات اتفكر ما هو تأثير كتابتي على الأشخاص الذين اكتب عنهم. ولم يفكروا بعُشر ذلك الذين يتعاونون مع العلوم الاجتماعية ويتكلمون باسم الإسلام والمسلمين في مثل هذه السياقات المؤسسية باللغة الفرنسية او الإنجليزية. أنا أعرف أسباب الحرب كما يفسرونها المختصون وأعرف كما الذين منعوني من إكمال دكتورتي. الذين رفضوا الإعتبار بقصة بسيطة كنت أحكيها بتواضع بل قالوا : « استر ذنبك ! » ورفضوا الاعتبار بالظروف النظامية الأوسع التي جعلت هذا الحديث والقصة كلها حتمية. هم الذين دفنوا مدينة تعز الذين أخذوا المناصب دون اتخاذ الأخلاق المقابلة من الشجاعة والإخلاص. فغسلوا أيديهم واستسلموا للشاشات فاصبحوا غرباء عن بلدهم. في الصفحات التالية أحكي رحلتي في أخلاق العلوم الاجتماعية : كيف أحلل الواقع الإجتماعي في طريقة لا يتناقض مع التزامي المستمر في العلاقات الانسانية. وإن لا يمكن تعميم حالة الباحث الفرنسي والامتيازات يتمتع بها فقد يكون هناك بعض الدروس العامة عن الامتيازات التي توفرها مؤسسات عصرنا وكيف نتحمل مسؤوليتها مع ضميرنا. [[.:|استقبال ورشة جدة]]